من مختبرات بكين إلى خزائن بيروت والعالم: هل يهدد “الذهب الصيني” احتياطي لبنان؟

تتجه الأنظار إلى “الذهب الصيني” بوصفه أحدث الابتكارات التكنولوجيّة التي قد تغيّر معادلة سوق الذهب العالمي، خصوصًا أنّ ابتكار بكين لنوع جديد من الذهب، يأتي في وقت يشهد فيه العالم ارتفاعًا غير مسبوق في أسعار الذهب، متخطيًّا حاجز الأربعة آلاف دولار للأونصة. قبل إعلانها عن ابتكار “الذهب الصافي الصلب” كانت
الصين قد صدمت العالم بإنتاج كميات هائلة من الألماس الصناعي في مختبراتها، والماسة التي تستغرق ملايين السنوات لتكوينها تحت طبقات الأرض، بات يمكن تصنيع قطعة مماثلة لها في النقاء واللمعان والتكوين الكيميائي، في أيام قليلة فقط، إذ تُنتج الصين أكثر من 20 مليون قطعة أسبوعيًا في معاملها المتقدمة. هذا الابتكار العلمي الحديث ساهم في انخفاض أسعار الألماس، فهل تتهاوى أسعار الذهب التقليدي بفعل “الذهب الصيني”؟ وكيف ستوظّف الصين سلاح التفوق التكنولوجي في المواجهة الكبرى في الولايات المتحدة الأميركية؟ وأيّ تأثير للابتكار الذهبي على لبنان الذي يملك احتياطًا كبيرًا من الذهب في مصرفه المركزي؟
Advertisement
ماهية الذهب الصيني الجديد
هذا النوع المبتكر من الذهب لا يُستخرج من المناجم، بل يُصنّع داخل مختبرات متطورة، وهو عبارة عن ذهب عيار 24 قيراطًا (نقاء 99.9%) تمّ تعديل بنيته الذريّة بإضافة كميات ضئيلة (0.1%-1%) من معادن نادرة مثل الإنديوم والزنك، يجمع بين نقاء الذهب الخالص (عيار 24) وصلابة الذهب المخلوط (عيار 18)، مما يجعله أكثر متانة ومقاومة للخدش بأربعة أضعاف الذهب التقليدي،وفق ما لفت الخبير في الاقتصاد والأسواق المالية الدكتور عماد عكوش في حديث لـ “لبنان 24”. الابتكار الصيني الجديد يساعد على إنتاج مجوهرات ذات تصميمات معقّدة وأخف وزنًا وأقل سعرًا بنسبة 10-20%، مما يسهّل شراءها من قبل الطبقة المتوسطة.
التأثير على سعر الذهب التقليدي
يستبعد عكوش أن يتسبّب الذهب الصيني الجديد في هبوط أسعار الذهب المستخرج من المناجم في المدى المنظور، وذلك لأسباب عدّة، منها طبيعة المنتج كونه موجّه أساسًا لسوق المجوهرات وليس للاستثمار أو الاحتياطي “فهو ليس بديلاً عن الذهب التقليدي في البورصات العالميّة أو في خزائن البنوك المركزي،كما يشكل هذا النوع الجديد ما بين 20% إلى 25% من مبيعات المجوهرات الذهبيّة في الصين. وقد يؤدّي انتشاره إلى جذب فئات جديدة من المستهلكين،خاصة الشباب الذين كانوا يعزفون عن شراء الذهب بسبب ارتفاع أسعاره أو عدم ملاءمته للاستخدام اليومي، مما قد يوسّع السوق الإجمالي بدلاً من تقليص الطلب على الذهب التقليدي. بالتوازي لا تزال القيمة الاستثماريّة لهذا الذهب المبتكر موضع تساؤل، حيث يحتاج المنتج إلى كسب ثقة المستثمرين والمؤسسات العالمية والبورصات الرئيسيّة، ليُعامل كبديل مساوٍ للذهب التقليدي ، وهذا الأمر يستغرق وقتاً طويلاً”.
لا مكان للذهب الصيني في المصارف المركزيّة
تواصل المصارف المركزيّة في العالم، شراء الذهب التقليدي بكميات كبيرة، كجزء من استراتيجيتها لتقليل الاعتماد على الدولار الاميركي وتعزيز استقرار عملتها.
وفق عكوش لن يؤثّر الابتكار الصيني على اتجاه البنوك المركزيّة لحيازة الذهب، لأنّ المصارف المركزية تشتري الذهب كأصل آمن وتحوّط ضدّالتضخم وتقلّبات العملات، وليس لصناعة المجوهرات، والمعيار الأساسي لديها يكمن في النقاء والكثافة مثل السبائك القياسيّة، وليس الصلابة أو قابليّة التشكيل كما هو حال الذهب الصيني. وفي السياق لفت عكوش إلى مواصلة البنك المركزي الصيني نفسه زيادةَ احتياطاته من الذهب التقليدي، وقد وصلت إلى مستوى قياسي، على الرغم من هذا الابتكار. مما يؤكّد أنّ هذا الابتكار يستهدف قطاع الصناعة والتجارة، بينما تبقى الاحتياطات الاستراتيجيّة قائمة على الذهب التقليدي.
